top of page

ورقة بعنوان: المسرح.... قدرة متجددة لاعادة بناء العلاقات البشرية.

الدكتور/ جاستن جون بيلي


عميد مدرسة الفنون و الموسيقى و الدراما/جامعة جوبا


مدخل تاسيسي:


طبيعة المسرح:


فرع من الفنون الأدائية المعنية بتمثيل القصص أمام الجمهور باستخدام مزيج من الكلام والإيماءات والتمثيل الصامت والموسيقى والرقص والصوت والمشهد - في الواقع أي عنصر أو أكثر من الفنون الأدائية الأخرى.


المسرح يحفز الخيال والتفكير النقدي لدى الجمهور ، ويساعد على تشخيص مشاكل المجتمع وتناقضاته واقتراح الحلول . المسرح تدريب على النظام واحترام القانون واحترام الاخر. لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاخلاقية وحتى السياسية التي يعيشونها.


لذا فان المسرح في وجوده التاريخي سعي علي المستوي النظري والعملي الي خلق انعكاس للواقع الانساني،،


طرح العديد من الاسئلة الوجودية.. اثار الكثيرة من الموضوعات الساخنة والمسكوت عنه في المجتمعات البشرية.. كشف الغطاء عن ماهو مخفي .. في النفس الانسانية .. تناول الطبيعي وما وراء الطبيعة من موضوعات مركزها البشر..


المسرح تجربة ديناميكية مركبة التعقيد ومثيرة للجدل لانها تتخذ من الانسان وخبراته وجسده وصوته وتجربته الحياتية... ثقافته.... فكره.. عقيدته.. ايدولوجيته السياسية.. احلامه ...تطلعاته... سلوكه .. مخاوفه.. هواجسه .. تحدياته.. اليومية مادة دسمة ،،، واداء لصناعة العرض المسرحي،، اذا هو حالة ثقافية تعتمد في بناءها علي الموروث الانساني بشقيه المعنوي والمادي.


هذا جعل من المسرح حالة جمالية متعددة الوجود تختلف باختلاف المُنتج المُبتكر والبيئة التي انتجت هذا المبدع الخلاق ، فهو يسرد حالة الثقافة التي انتجته،، وضعها الاقتصادي,, الثقافي. السياسي.. في علاقاتها المتعددة مع مفهوم الحرية والقهر وحقوق الانسان ودراسات النوع .. مناطق النزاع ومناطق ما بعد النزاع..


طبيعة الانسان الاجتماعية


الإنسان كائن اجتماعي بطبعه ولا يستطيع العيش وتسيير أمور حياته دون التعامل مع غيره من الناس، ولذلك من الضروري أن نتعلم فن التعامل مع الآخرين والذي يعتبر من أهم الفنون الاجتماعية نظراً لاختلاف طبائع الناس وتباينها، وهو فن لا يجيده الكثير من الناس بالرغم من أهميته كمهارة سلوكيّة اجتماعيّة أساسيّة يجب أن نتحلّى بها


قال أرسطو بأن الأنسان حيوان اجتماعي (سياسي) إذ لا فرق بين البعدين الاجتماعي والسياسي عند الاغريق، بمعنى آخر، فإن الانسان كائن وسط أو كائن متوسط يقع بين مستويي الكمال والبهيمية: فهو لا يرقى الى مستوى الكمال ولا ينحط ايضاً إلى مستوى البهيمية”


يقول ابن خلدون في مقدمته إن «الإنسان اجتماعي بطبعه» ما يعني أنه فطر على أن يعيش وسط الناس لا بعيدا عنهم، ويقيم بينه، وبينهم علاقات اجتماعية وحوارات تدفع بحياته نحو مستقبل مختلف. وتقول المعاجم إن استعمال كلمة «الإنسان» جاء من الأنس، حيث إن هذا الإنسان يستأنس بمن حوله فلا يعيش حياة عزلة بمفرده


هذه الفرضية في اجتماعية الانسان اى كونه كائن اجتماعي لا يعيش بمعزل عن مجموعته الاجتماعية، يغذي فرضية اخري وهو ان الانسان هو كائن سياسي الوجود لانه يعيش في مجتمع وهذا المجتمع هو بنية هيكلية تتكون من طبقات مختلفة، هذه الطبقات المختلفة لكل منها رؤيتها الخاصة وايدولوجيتها في وعي القيم والمفاهيم المتعددة.


كل طبقة لها فكرها وفلسفتها وثقافتها التي تشكلت مع التراكم التاريخي وفهم التحولات العامة والخاصة، كل طبقة لها وعي جمعي يختلف عن الطبقات الاخري في التعاطي مع مفاهيم كالحرية،، الديمقراطية، الحقوق، المساواة ،، القيادة الرشيدة،،، وغيرها من المفاهيم ..وبين كل هذه الطبقات صراع دائم، وفق هذه المعادلة فالسياسة هي صراع الطبقات، اذا فالانسان كائن سياسي الوجود بوعي منه او بدون وعي،، يريد ذلك او لا يريد، لان اي موقف يتخذه الانسان هو موقف يعبر عن ايدولوجية سياسية ناتجه عن التراكم المعرفي الناتج من الطبقة التي شكلته (راجع اسس المعارف السياسية، دار التقدم موسكو).


لماذا يتجدد المسرح دوما.. عنقاء التجربة البشرية:


قدرة المسرح علي التجدد:


لمعرفة الاجابة علي السؤال الجوهري ماهو اساس قدرة المسرح علي التجدد.. هو الوقوف والبحث في جوهر دوافع العملية المسرحية نفسها، فالمسرح حي ومتجدد لانه يقوم باشياء ذات ارتباط جوهري بقضاياء المجتمع.


المسرح حي ومتجدد لان له قدرة علي انتاج خطاب وحوار يناقش هموم البشر ومعانتاهم، هذه المعاناة التي تختلف وتتعدد في مستوياتها باختلاف المجتمعات الانسانية وازماتها من خلال تعريتها ومقاومتها للزيف وقدرته علي خلق الوعي والوعي النقدي، وهذه الدلالة اشارة الي انحياز هذا النوع من المسرح لقضايا المهمشين والمقهورين والاقليات، وهنا نري الجانب الاخلاقي في عملية الانتاج المسرحي في مساندة القضاياء الحيوية في العصر الحديث.


فالمسرح في تاريخه الطويل الذي يعود الي تاريخ الوجود الانساني (اذا حاولنا ان نخرج من لعنة التعريف الاغريقي للمسرح باعتباره ممارسة يونانية اوربية غربية) تحولت وتشكلت وفق احتياج الظروف التاريخية والهدف ورغبة المجتمع وقدرات صناع المسرح.


في التاريخ المسرحي نجد بعض صناع مسرح كثفو الصورة البصرية داخل الخشبة بالتكنولوجيا، والمؤثرات البصرية والسمعية جعلو الصورة المسرحية مليئة بالعناصر المختلفة، اتاحو فرصة لعناصر اخري لاحتلال المسرح.


بعضهم ارتقو بالمسرح الي حالة من التواصل الروحي المقدس رابطين بين الميتافيزيقا والفيزيفي في الابداع المسرحي عبر جسد الممثل وصوته كاهم عناصر المسرح حيث قللو بعض من عناصر التكنولوجيا والتي اعتبروها الي حد ما دخيلة علي المسرح، علي سبيل المثال تجربة (انطونين ارتو)


بعضهم جردوا المسرح وعملو علي تعريته بصورة كاملة الا من الممثل، الممثل فقط محاولين اعادة الحياة الي المسرح باعتباره تواصل حي بين الممثل الطاقة، ذلك المؤدي المتحول دوما والجمهور كل ماهو مرئي علي المسرح يفعله الممثل بجسده فقط وكل ماهو مسموعه ينتجه عبر صوته (نظريات جيرسي جروتوفسكي)


مخاطبة الوعي... التجربة.. الفكر..


في تاريخ المسرح كانت ومازالت هناك نظريات واتجاهات مسرحية كان همها الاول هو بناء الانسان واعني بذلك شحز الوعي النقدي لديه ليكون قادرا علي المساهمة والمشاركة في تنمية المجتمع المحيط به، مع العلم ان المسرح هي تجربة ابتدعها الانسان لاجل نقل المعرفة والخبرات الي الاخر، ولكن العمل بقصدية وفق منهج واضح قادر علي تجاوز الحدود المعرفية والثقافية والفكرية والعقائدية، دفع بتجربة تفعيل المسرح بصورة اكثر جدية ليكون فاعلا في اعادة بناء الانسان في عالم اصبحت فيه استغلال الانسان طريقة اخري لتخدير وعيه وتزييف الحرية او اعادة تشكيل اهتماماته.


تجربة المسرح الاغريقي التي سعت الي تكريس البناء الطبقي وتعزيز فكرة العقوبة واللعنة كنتيجة حتمية وعقوبة من الاله الي كل المحاولات التي يقوم بها الفرد لتغيير القدر والخطة الالهية .


مسرح العصور الوسطي وكيف ساعدت علي نشر التبشير الكنسي، والمجتمع المتشكل علي الطاعة، في ظل وجود جرعات مفصلة من المعرفة الي كل طبقة، مما ساعد بصورة او باخري علي تعزيز الفوارق المعرفية بين الطبقات.


عصر النهضة والتمرد علي الكنيسة واعتماد الفكر والثقافة الشعبية كمورد اساسي للفنون المسرحية والرجوع الي استنهاض كلاسيكيات العهد القديم، وزيادة الاعتقاد في الفكر والمنطق الانساني مع التركيز علي فكرة البطل الواحد والنبيل في بعض الاحيان، او الذي تم ترفيعه الي النبل.


في العصر الحديث بعد الحرب العالمية الاولي والثانية، وما اصاب العالم من انشاقات ودمار والاحساس الحتمي بنهاية التاريخ ووحشية الانسان، توسعت التجارب التي سعت الي توظيف المسرح كالية ثورية لاعادة تشكيل الانسان والمجتمع الانساني، ولا ننسي الانفتاح الذي تم بين الحقول المعرفية المختلفة في الفترة التي تعرف بفترة المابعديات (مابعد المسرح،، ما بعد الثقافة.. ما بعد الانفتاح.. ما بعد التاريخ... ما بعد الدبلوماسية .. وما بعد الاستعمار....) اصبحت العلاقة مباشرة وتفاعلية بين المسرح والثقافة والاقتصاد والسياسة ومختلف ضورب المعرفة لانه جوهر التجربة الانسانية.


هذا المزج اتاحة فرصة اكبر لصناع المسرح للتسويق لدور المسرح الحقيقي في اعادة بناء الوعي داخل المجتمعات وتجاوز الدور الترفيهي الي ادوار اكثر عمقا كتجربة بسكاتور في المسرح السياسي.. بورتولد برخت المسرح كالية رفع الوعي النقدي تجاه القضايا الاقتصادية .. اغستو بوال ومسرح المقهورين الذي سعي الي تدريب الجمهور المشاهد لا ان يكون خارج المسرح يشاهد ويستمتع فقط، بل يكون مشاركا في الحدث، يكون بطل المسرحية يغير الحدث الي حيث يريده هو وليس مخرج العرض، جاعلا من هذا التدخل المباشر تدريبا تطبيقيا لمعرفة طريق التحرير واختبار التحديات، ومسرحا تشريعيا، لاعادة النظر في التشريعات والقوانين.


العنقاء الاسطور.. رغبة الانسان في تحدي الفناء (مابعد الحياة.. الجنة.. الملكوت)


العنقاء يمتاز بالجمال والقوة، اسطورة عربية تقول ان الطائر يستطيع ان ينهض من رماد الموت ويتخلق من جديد ويطير.. شكلت هذه الاسطورة احدي تجليات رغبة الانسان الابدية في مقاومة الموت والفناء، الرغبة في الحياة والخلود، كما تجسد في التجربة والوعي الانساني في ازمان سحيقة لدي الافارقة الفراعنة في عقيدة ما بعد الحياة .. كما تمظهرت في اسطورة فالهالا في الدول الاسكندنافية حيث يرحل الفارس بعد موته في المعركة بشرف لينضم الي الالهة ويشرب معهم الخمر.. فكرة الجنة والنار في الديانات السماوية .. وغيرها


هذه الرغبة في الحياة الابدية هي الدافع الاساسي وراء كل الابتكارات البشرية محاولة منه للخلود،، الاساطير محاولات لايجاد اجابات شافيه لبعض المعضلات في الحياة.. والتكنولوجيا هي احد امتدادات رغبة الانسان في الخلود ومقاومة الموية باعتبارها امتداد للحواس ومحاولات الوصول..


قدرة المسرح علي البقاء


المسرح باقي ما بقية الحياة ،، يتحول ويتجدد ويثور .. هو طاقة ابتكارية لا تفني بل تتجدد وتتشكل وفق الثقافة والزمن والعوامل الاخري .. لانها بصورة بسيطة تعبير عن قدر الانسان ورغبتة الدائمة في نقل الحياة وقدرته الخلاقة في تجسير العلاقة بين الازمان الثلاثة في الزمن الرابع الماضي.. الحاضر.. المستقبل .. في الزمن الان الابداعي.. زمن التكشفات الجمالية .. الزمن الذي يكثف فيه الابداع.


المسرح الجنوب سوداني.. تشريح الواقع


عدم استباق النظرية التعريفية...مهم الممارسة


في كثير من الدول الافريقية والعربية مازال السؤال هو .. هل يوجد مسرح سوداني ..ام مسرح في السودان؟؟ هذا السؤال الجدلي اخذ الكثير من المجهودات الفكرية والابدايعة التي لو تم توظيفها في انتاج عمل مسرحي لتوصل المسرحيون الي الاجابة الجوهرية..


في الفنون عموما نادرا ما تسبق النظرية السلوك الابداعي.. ياتي الشكل الابداعي اولا لانه يمثل الولادة الخلاقة،، تمظهرات الحس الابداعي وتجلياته علي شكل الصورة الحية .. ومن ثم تاتي النظريات للتعريف بخصائصها.. والفوراق فيما بينها والتجارب الابداعية الاخري.. ومن ثم تسميتها وفق هذه الملامح.. مع الاخذ في الاعتبار شخصية المبدع الفكرية وثقافته والدافع المحرك للمبدع نفسه.


نحن في حوجة شديدة الي تكثيف الانتاج المسرح علي مختلف المستويات،، كتابة واخراجا.. علينا ان ننتج مسرحا بعدها ونحن ننظر اليه سوف نري ذلك المسرح الذي يتحدث الينا بلساننا.. المسرح الذي يجسر العلاقات بين شعوبنا وطبقاتنا المختلفة... مسرح نستطيع فيه بوضوح ان نري تاريخنا وثقافتنا ونستقري به المستقبل الذي نريد والمستقبل الذي نخاف ان يجرفنا الي الهاوية..


علينا ان نكثف الانتاج.. وقتها سوف نكتشف ان هذا التكثيف ماهو الا ما نريد ان نسرده نحن المبدعين الجنوبيين الي العالم ما نريد ان يعرفه العالم عن انسان جنوب السودان ثقافته... فكره ....تطلعاته... همومه.. مخاوفه.. اهواءه... معتقداته.. علاقاته المركبة

والمتعددة مع المقدس.. انعكاس التاريخ فيه..




 
 
 

Comments


bottom of page